تقرير حول الدخول المدرسي 2016 - 2017





تقريــر حــول الموسم الــدراسي 2016-2017  من إنجاز  الأستاذ : رشيد شيبوب                                                                - أستاذ مادة علوم الحياة والأرض بثانوية الحسين السلاوي التأهيلية-المندوبية الإقليمية-  سلا.                                                       -رئيس الرابطة 
الوطنية لأساتذة العلوم التجريبية بالثانوي التأهيلي                                                                       


    
إفتتاحية:

طبقا للبند الثامن من القانون الأساسي لجمعيتنا  ،الرابطة الوطنية لأساتذة العلوم التجريبية بالثانوي التأهيلي ،و الذي يعطي للرابطة حق إنجاز تقارير حول الوضعية التربوية و توجيهها إلى المسؤولين عن القطاع محليا، جهويا و وطنيا ،تتشرف جمعية ANESES ،بإنجازهذا التقرير حول الوضعية التربوية للدخول المدرسي للموسم الدراسي 2016-2017 ،مع الإشارة أن هذا التقرير يتمحور حول الحكامة بين التنظير وتنزيل إصلاح الرؤية الإستراتيجية
بعد أشواط من الإصلاحات و الترميمات للمنظومة التربوية بالمغرب،والتي كانت نتائجها على التوالي هزيلة لا تعكس حجم الإستثمارالبشري،والمادي (ربع ميزانية الدولة)،لكونها إعتمدت  أسلوب المركزية والتمركز،المتسمين بالسلطوية في ،التسييروالتخطيط والتنظيم  ،شكل الميثاق الوطني للتربية والتكوين ،بداية الألفية الثالثة ،أول مرجعية صائبة في توجيه وإصلاح قطاع حيوي في عالم العولمة الذي لا يقبل التخلف و الأمية.
على الرغم من جدية المشروع(الميثاق الوطني) و تواجد الإرادة السياسية ،والطموحات المصاحبة له ،فإن مسألة التنزيل على أرض الواقع و تفعيله ،إعترضتها عدة صعوبات ،فتعطل الإصلاح و تعثر وفشل في تحقيق غاياته 
أمام هذا الإخفاق،لجأ المسؤولون في صياغة مخطط إستعجالي إنقادي،هدفه تنزيل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين لكونه يتميز بالعديد من الإيجابيات ،ولأنه نهج أسلوب الحكامة في صياغته و أهدافه.
مرة أخرى و رغم الميزانية الإستثنائية و الضخمة (54مليار درهم)المخصصة للبرنامج الإستعجالي ،فإن الواقع العنيد ،فرض نفسه بتقارير تحدثت عن الفشل، فجائت الخطابات الملكية السامية ،2010 ،و2012 ،و2013، والتي أوصت  بالإسراع بوثيرة الأوراش الإنمائية و تدبيرها بالحكامة الجيدة ،و جاء خطاب إفتتاحية الدورة الخريفية لأكتوبر 2014  الذي أناط بالمجلس الأعلى للتربية و التكوين وضع خارطة طريق لإصلاح المدرسة المغربية، فأصدر المجلس الرؤية الإستراتيجية 2015 – 2030  الذي ركز في إحدى رافعاته (الجودة للجميع)غلى نهج الحكامة الجيدة و ربط المسؤولية بالمحاسبة.















   
     1: مرجعيات التقييم  :
       لا يمكن  تقييم وضعية  الدخول المدرسي 2016-2017   دون وضعه في سياقه الجهوي والوطني ، كما لا يمكن انجاز هذا التقييم دون العودة إلى المرجعيات الفكرية والدراسات النقدية ، ومختلف التقارير الوطنية والدولية حول إصلاح منظومتنا التعليمية و أزمة المدرسة المغربية ومن أهمها:
- تقرير التنمية البشرية في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا (2007)الصادرعن البنك الدولي
       تكمن أهمية  هذا التقرير  بشأن إصلاح التعليم في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا ،لكونه أول تقرير تقويمي لمنظومتنا التعليمية، كما أنه  وضع فيه المغرب في المرتبة 11 من بين 14 دولة عربية وإفريقية بعد دجيبوتي ،والعراق ،واليمن ، وفق مؤشرات تعميم التعليم ،و الكفاءة ،والجودة، لقد شكل هذا التقرير صدمة للجميع  ،وفي نفس الوقت دعوة ،من أجل إحداث تقويم للمنظومة، فإستجابت الدولة بإصدار مؤسسة دستورية و هي المجلس الأعلى للتعليم سنة 2008


تقرير الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية و التكوين لسنة 2008   

كشف هذا التقريرعن اختلالات  عميقة ،ترتبط في  عمومها بضعف تماسك و انسجام مكونات المنظومة التربوية، وبمستوى نجاعتها و مردوديتها الداخلية و الخارجية ، وعدم ملائمة مناهجها مع متطلبات المحيط وصعوبة الاندماج  الاقتصادي والاجتماعي، وفشل المدرسة  في الاضطلاع الأمثل بوظائفها في التنشئة الاجتماعية و التربية على القيم في بعديها الوطني و الكوني. فرغم الميزانية الضخمة التي رصدت للميثاق الوطني للتربية و التكوين ،كشف التقرير أنه ،في سنة 2007 وحدها غادر المدرسة دون مؤهلات ما يناهز 400 ألف تلميذ و تلميذة ..
- التقرير التحليلي الذي أعدته الهيأة الوطنية للتقييم 2014 حول مكتسبات و معيقات الإصلاح 2000- 2013 (الميثاق الوطني - المخطط الإستعجالي) :
بعد إنصرام عشرية الإصلاح ،و بعدها البرنامج الإستعجالي لوجظ من خلال فحص المعطيات لدى عينة ثلاثة أفواج من التلاميذ الجدد المسجلين في السنة الأولى من التعليم الإبتدائي (2000- 2003) ، أن 35 في المائة تمكنوا من إستكمال الدراسة بهذا السلك دون تكرار في متم 2005 ، 18 في المائة منهم أتموا التعليم الإعدادي دون تكرار في نهاية 2008 ،6 في المائة منهم إستكملوا الدراسة بالثانوي التأهيلي في متم 2011 ،و 3 في المائة فقط حصلوا على شهادة الباكالوريا.
-الخطابين الملكيين الساميين في 20 غشت 2012 و 2013 واللذان تطرقا إلى أزمة التعليم، ودعوة المجلس الأعلى للتربية و التكوين خلال خطاب إفتتاح الدورة الخريفية أكتوبر 2014 وضع خارطة  الطريق لإصلاح المدرسة المغربية ،وهكذا  أصدر هذا الأخير وثيقة الرؤية الإستراتيجية 2015 - 2030 ،هذه الرؤية التي  تضم 23 رافعة  للتغيير و134 فقرة وحوالي ألف مستلزم  تندرج على المدى القريب )3 سنوات(، و المدى  المتوسط )6 سنوات( و المدى البعيد ) حتى 2030(.
       يكمن جوهر هذا الإصلاح في ترسيخ حكامة جيدة عبر إرساء مدرسة  جديدة قوامها ، الجودة للجميع، و الإنصاف وتكافئ  الفرص والارتقاء بالفرد و المجتمع و ريادة ناجعة و تدبير جديد للتغيير
- تقرير الهيئة الوطنية للتقييم حول مكتسبات التلاميذ لسنة 2016 ،صدرت و عممت من طرف المجلس الأعلى للتربية و التكوين في فبراير2017 ،هذه الدراسة التي شملت عينة من 34190 تلميذ و تلميذة بمستوى الجدع المشترك ثانوي، في مختلف الشعب في مواد اللغة العربية ،والفرنسية ،و التاريخ والجغرافيا ،ثم الرياضيات و علوم الحياة والأرض ،و الفيزياء كيمياء،كما شملت الدراسة 4604 مدرس ومدرسة، و543 مدير موزعة على مختلف أكاديميات المملكة،وخلصت الدراسة إلى حصيلة ضعيفة ،و أرقام و نسب متدنية منها عموما أن معظم التلاميذ لم يتجاوزوا عتبة 33 في المائة من التحصيل،ولقد خلصت الدراسة أن هذه النتائج السلبية تلتقي أسبابها بين الإجتماعي و التربوي التعليمي .
2 -الرؤية الإستراتيجية بين التنظير و التنزيل:
    و نحن الآن في منتصف  السنة الثانية من الإصلاح ، يحق لنا أن نتساءل عن مؤشرات تنزيل هذا الإصلاح  ومدى  تفعيل التدابير ذات الأولوية ، خاصة منها المتعلقة بالمدى القصير ) 2015-2018( ومنها على الخصوص ، التمكن من اللغات والمعارف الأساسية ،و محاربة الهدر ، والانقطاع ،و الغياب و التخلي عن منطق التلقين و الشحن ، و التركيز  على المشروع الشخصي ومشروع المؤسسة كوسيلة لتنزيل الإصلاح ، وإشراك الجماعات الترابية والمقاولات، وإحداث مسالك للتكوين المهني، والباكالوريا المهنية، وإرساء جسور مع التكوين المهني وجعل المدرسة ذات جدوى وجاذبية وتمكين جميع الفصول الدراسية من الوسائل السمعية البصرية و تقنيات الإعلام و التواصل و إدماج برامج الدعم التربوي للمتعثرين ، واعتماد آليات التتبع الفردي للتلاميذ ، وفتح مراكز للدعم النفسي والاجتماعي داخل المؤسسات التعليمية...
      للأسف، ومع بداية هذا الموسم الدراسي 2016-2017، وفي الوقت الذي كان الجميع ينتظر تنزيل تدابير الإصلاح و إنعكاساتها الايجابية داخل الفصول الدراسية، تفاجئ الجميع باكتظاظ غير مسبوق بالفصول الدراسية ،و خصاص في الأطر التربوية و تقليص في البنيات التربوية, و تعدد المستويات بنفس الفصول بالابتدائي ببعض المدارس بالمدن لأول مرة, و حذف التفويج بالمواد العلمية بالثانوي التأهيلي ،كعلوم الحياة والأرض( SVT  ) و الفيزياء كيمياء( PC )،وفي نفس الوقت ،حذف التجارب العلمية خلال الحصص المفوجة (TP)،والركون إلى الإلقائية و شحن المعلومات وبالتالي الرجوع الى بيداغوجية المضامين السائدة قبل ثلاثين سنة أي قبل التدريس بالأهداف.
      أما على مستوى الجودة و المردودية الخارجية، فيلاحظ عدم إكثرات  التلاميذ  بالمسالك المهنية نظرا لضعف التأطير و التوجيه وندرة المؤسسات المستقبلة لهذه التخصصات و التي لا تتوفر على ورشات متخصصة لكل من القطب الفلاحي والصناعي والخدماتي ،دون الحديث عن غياب داخليات  تستقبل التلاميذ  بالمجال القروي والشبه حضري.
     على مستوى المقررات و المناهج، فان طول المقررات  وغموض المناهج(التراجع عن  بيداغوحية الإدماج ،و الجمع بين المرجعية السلوكية للتدريس  بالأهداف و الكفايات)، وغياب التقويم التشخيصي  و التكويني ،و التركيز على التقويم الإشهادي ،خاصة بالنسبة للمستويات الاشهادية، ضرب بعرض الحائط جوهر الإصلاح ، خاصة فيما يتعلق بالإنصاف ،و تكافئ الفرص ،و الجودة للجميع ،والارتقاء بالفرد و المجتمع،و الحكامة الجيدة ،و أضحت إستقلالية المِؤسسات عبر مجالسها سرابا،وتبين أن مشروع الحكامة المنشودة لا زال بعيدا.
نحن أمام إشكالية حقيقية تهم مصير أجيال الحاضر و المستقبل ،ففشل التعليم لن يكون بدون عواقب في وضع عربي و إقليمي مضطرب،وفي ظل عولمة متوحشة و عالم تنتشر فيه مختلف الأفكار و التيارات المتطرفة بفضل شبكات التواصل الإجتماعي ،هل لهذا الفشل المزمن  أسباب  موضوعية يمكن تقويمها ،أم هي لعنة تطارد منظومتنا التعليمية ؟
سنحاول من خلال هذا البحث المتواضع الرجوع الى بعض الأسباب ،و المعيقات التي نعيشها كمدرسين ،أو فاعلين تربويين لنخلص في الأخير أن  أزمة  تعليمنا لا علاقة لها باللعنة ،و لا بالميزانية المالية ،ولا بمرجعيات الإصلاح بقدر ما هي مرتبطة بالحكامة ،وبالتركيز ،والتمركز، وبالتنزيل والتتبع و أحيانا مقاومة التغيير من طرف فاعلين أساسيين في تنزيل الإصلاح
3 – الحكامة  و الجهوية بين الشروط و الإختلالات:
      رغم أن نظام الأكاديميات المحدث في إطار إصلاحات المنظومة التربوية )القانون 07-00) و الميثاق الوطني للتربية و التكوين(الدعامة 15 المادة144 ) والذي وثق هذه الإنجازات تحت عنوان الحكامة ،و المرسوم الوزاري 376-02-2 الصادر بتاريخ 17يوليوز2002 ،أعطت دورا حاسما لمجالس المؤسسة وعززت إستقلالياتها و سلطاتها في تنزيل المشاريع (المذكرة الوزارية 159 )،و إلى جانب هذه الإصلاحات فقد تمت هيكلة الوزارة الوصية على القطاع بتقليص عدد المديريات المركزية وعدد الأقسام و المصالح ، وإكتفت الوزارة بالتأطير و التنظيم و المراقبة و التقييم ،و هي مؤشرات عن اللامركزية و اللاتمركز،فان واقع مجالس المؤسسات، ومشاريعها ،يبقى في معظم الحالات بدون تفعيل ولا جدوى ,حيث تكتب أو تنسخ نفس  التقارير أو المشاريع(التي تقتصر غالبا على الدعم أو الخزانة المدرسية او البستنة و ترسل إلى جهات حيث  لا تقبل لأنها لا ترقى الى مشروع وفق الإستراتيجية الوطنية لمشروع المؤسسة كألية لتنزيل الإصلاح، و تنشيط الحياة المدرسية، ويبقى التسيير الأفقي مهيمنا على الحياة المدرسية، و يترك التعليم ممركزا  بيد الوزارة التي تجتهد كل موسم في إنتاج و إرسال عدد من المذكرات والتوجيهات والمقررات الوزارية والتي تبقى حبرا على ورق.
لابد من إعادة هيكلة الإدارة على أساس اللامركزية و اللا تمركز مما سيساهم في النقل التدريجي للسلط والاختصاصات من المركز إلى الأكاديميات الجهوية والنيابات الإقليمية وشبكات التربية والتكوين وكذا على صعيد كل مؤسسة، حيث يلاحظ إختلالات في إشتغال مجالسها، وخاصة مجلس التدبير،الذي يعتبر وسيلة تنزيل وتتبع أوراش الأصلاح عبر سن القانون الداخلي للمؤسسة،وتفعيل الحياة المدرسية،ودعم جمعية مدرس النجاح ،والعمل بمشروع المؤسسة،بإشراك الأطر التربوية و الإدارية وممثلين عن التلاميذ و عن الجماعة المحلية و عن جمعية الأباء و أولياء التلاميذ.، وإنجاز تقارير دورية حول تبع المشاريح و تنزيل الإصلاح..


ü    لابد من إرساء أقسام التقويم و التقوية و الدعم للتلاميذ الضعفاء الذين لا يستطيعون مواكبة الإيقاع ، وهذا أيضا يعود إلى اختصاصات مجالس المؤسسة في إطار مشروع  المؤسسة ، بشراكة مع المديرية الإقليمية و الأكاديمية وجمعيات  آباء و أولياء التلاميذ، وجهات أخرى للتموين ، وهكذا سيتم محاربة الدروس الخصوصية بإدخالها إلى داخل المدرسة وليس خارجه (المذكرة الوزارية 159 الصادرة ب 25 نونبر 2014 حول أجرأة مشروع المؤسسة )
ü    لابد من تخفيف كثافة  المواد و البرامج  و الدروس، و التركيز على الدعائم البيداغوجية الجديدة، و الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة و الوسائل الرقمية، في التدريس مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الجغرافية و الثقافية و الاجتماعية ، وهذا أيضا من أدوار مجالس المؤسسة.
4- أية حكامة مع حذف الإجراءات  التأديبية داخل المجالس التعليمية:
 فيما يخص وضعية العلاقات التربوية و منظومة  القيم داخل المؤسسات التعليمية ، فقد كشف تقرير صادر عن المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي في الدورة العاشرة لجمعيته العامة يومه 21/11/2016 بالرباط، عن وضعية قاتمة ، حيث خلص أن الهوة تزداد اتساعا بين الخطاب السائد رسميا حول القيم و الحقوق و الواجبات، وبين الممارسات الفعلية، حيث ارتفعت وثيرة السلوكيات المخلة بالقيم  داخل المدرسة وبمحيطها ، من قبيل العنف اللفظي، والجسدي والنفسي، و الغش ، و الابتزاز ، والتحرش ، و الإضرار بالملك العام....
لقد لوحظ أنه ومنذ اعتماد البرنامج الوطني للتربية على المواطنة وحقوق الإنسان ، و المساواة، وترسيخ قيم التسامح، و السلم و التضامن ، فان العديد من السلوكيات اللا مدنية ، ما تزال منتشرة من قبيل عدم احترام السلطة المؤسساتية ، و الإخلال بواجب الانضباط ، و الإضرار بالملك العمومي ، و تفشي العنف والاعتداءات داخل المؤسسات التربية و التكوين و في محيطها القريب.
إن أصل الصعوبات التي تواجهها المؤسسات التعليمية في مجال التعايش وسيادة القيم الايجابية، يرجع إلى غياب أي خيار بديل لتدبير العنف مما يجعل المدرسين والإدارة يواجهون صعوبات كبرى في تدبير الفراغ المتولد عن منع العقاب (بموجب المذكرة الوزارية عدد 867/14 بتاريخ 17اكتوبر2014 )،ومنع توقيف التلميذ العنيف أوالغير المنضبط للقانون الداخلي، و الاكتفاء ، "بمعاقبته"بأنشطة البستنة أو النظافة خارج أوقات التدريس.... !هكذا أصبح التلميذ يفكر بمنطق الربح و الخسارة وأدرك ان ليس له ما يخسره في حالة تمرده على أساتذته أو الإدارة التي أصبحت عاجزة عن الرد , وفي ظل اكتظاظ لا يطاق, تحول الشغب والعنف ،و الغش ،و التهديد  الى وسيلة مربحة للتلميذ حيث يرضخ المدرس المنهزم ،والعاجز لمنطق الإبتزاز ويحاول شراء السلم بعقد صفقة مقابل نقطة مريحة مع التلميذ العنيف ,لتمر الرسالة (العدوى)الى التلاميذ الأخرين.....
 أمام هذا الوضع، وبعد سحب سلطة المجالس التأديبية بالمذكرة الوزارية 867/14 ، ظهرت ردود أفعال جديدة للأطر الإدارية و المدرسين، من قبيل استعمال التنقيط كوسيلة للإغراء وشراء السلم ، أو اللامبالاة، أو المجاملة، أو اللجوء إلى التغيب بدوافع صحية، أو الهروب من القسم بالبحث عن بدائل منها الهروب الجماعي إلى التقاعد النسبي كما حصل خلال الموسم الدراسي الماضي .
ü    لابد من فرض السلطة داخل المؤسسة التعليمية تعيد لها هيبتها ، وذلك بتقوية صلاحيات مجالس المؤسسة، خاصة مجلس التدبير و المجلس الانضباطي ،وبالتراجع عن المذكرة 864-14 من أجل الحد من العنف و الشغب و التمرد و التحرش الجنسي و إستهلاك  المخدرات ... لابد من التركيز على القانون الداخلي للمؤسسة ، من قبيل الزي الموحد للذكور و الإناث ، و التوقيف عند الضرورة للتلميذ المخل  بالنظام الداخلي , فالتربية على قيم التسامح ,لا تكون بإضعاف سلطات مجالس المؤسسة و إلغاء جميع أشكال العقاب , هكذا  ستتحول المدرسة إلى فضاء بدون  ضوابط تنمي سلوكيات التمرد على القيم عوض ترسيخها


4- الحكامة و الإدارة التربوية                            
 فيما يخص التسيير, فلقد  ظلت إدارتنا التربوية حبيسة الإرث الثقيل "للنظام الباتريمونيالي التقليدي" بتعبير ماكس فيبر، والذي يقوم على شخصنة السلطة، وتقديس الرؤساء، والطاعة العمياء للأوامر، وهي سلوكات تستمد مرجعيتها من ستينات القرن الماضي حيث إقترح عالم النفس الإمريكي Douglas megregor نظريته المعروفة ب( X (  والتي تحيل على القيادة المتسلطة المهتمة بالنتائج فقط ,والتي لاتعير العلاقات الإنسانية أي إهتمام بل تعتبر الإنسان العادي غير طموح ,يجب ان يكره على العمل باللجوء إلى التلويح بالعقاب(الإستفسارات-الإقتطاع-اللجان الإدارية-المفتشون- المفتشية العامة.-المجالس التأديبية- المذكرات الوزارية والنيابية والداخلية.....)  . وقد ساهم هذا النوع من العلاقات في التسيير الإداري (النظرية X ) في إرساء مناخ من الحذر والشك وفقدان الثقة بين مختلف مكونات المنظومة التربوية ،وخاصة أطر الإدارة التربوية و التدريس التي تعتبر الحلقة الأخيرة و الأساسية في كل إصلاح تربوي ،من جهة أخرى فإن هذا النمط من التسيير الإداري ساهم في إرساء الزبونية و المحسوبية وأضعف روح المسؤولية، وعطل آليات المراقبة والمحاسبة والضبط، فكان أن تنامت شتى أنواع الانحرافات في التسيير والتدبير سواء على المستوى المركزي، أو الجهوي أو الإقليمي ، وأصبحنا نسمع و نقرأ في الجرائد الوطنية عن  اختلاسات مالية كبيرة  همت بعضها الميزانية المخصصة للمخطط الإستعجالي ،حيث وقف قضاة المجلس الأعلى للحسابات على إختلالات كثيرة تشمل العتاد الديداكتيكي و المواد الكيميائية وعن صفقات فاسدة  للمختبرات المتنقلة
            ختاما ينبغي التنبيه الى أن الرافعة الأهم التي أغفلها الإصلاح  هو موضوع الإنخراط الإيجابي في تنزيل الرؤية الإستراتيجية لمختلف الفاعلين التربويين و باقي الشركاء الإجتماعيين من جماعات محلية وجمعيات المجتمع المدني,فما الذي سيجبر رئيس جماعة محلية أو قروية أومستثمر أو رئيس جمعية الأباء و الأمهات حضور إجتماعات مجالس التدبير والإنخراط في مشاريع المؤسسة ؟ وكيف يمكن إعادة الثقة للمدرسين اللذين أصبحوا يروون في الإدارة جهازا غير نزيه للمراقبة وإنزال تعليمات عبر زخم من المذكرات قد تتغير مع تغير الحكومات و الوزراء ؟ ما الذي سيجعل الرؤية 2015-2030 ستنجح في الوقت الذي فشلت الإصلاحات الأخرى؟
كيف يمكن أن نطلب من مدير المؤسسة القيام بواجباته الإدارية و التربوية والإنفتاح على المحيط بإنجاز شراكات وروح المبادرة وفي نفس الوقت ،التقيد بالنصوص التشريعية دون تمتيعه بإطار لوضعيته ،إذ يضل المدير أستاذا مكلفا يمكن إعفائه لأبسط هفوة أو قرار لا تراه المندوبية الإقليمية مناسبا،كعدم الإمتثال للخريطة المدرسية .
إن إغفال هذا الموضوع بإعتبار المدرس ومدراء المؤسسات التعليمية عناصر منفذة فقط ،قد يعيد نفس الخطأ الذي حصل مع البرنامج الإستعجالي ،و حصد نفس النتائج بعد عقد أخرمن الزمن واللجوء إلى خطة إستعجالية أخرى،
ما مصير كل هذه الأجيال التي عجزت المدرسة عن إحتوائهم في ظل العولمة ؟
  لا يكفي أن يكون الإصلاح صائبا والميزانية المخصصة بالملايير لكي يتم تفعيله ، بل بتوفر القناعة بذلك و إرجاع الثقة المفقودة ، وإعطاء القدوة في الحكامة الجيدة، وتمتيع المدير بإطار يرجع له ثقته ،وإلا فإن الإصلاح قد يطرق مرة أخرى أبواب المؤسسات التعليمية ،دون أن يدخل الفصول الدراسية.

المراجع:                        
Ø    المرسوم رقم 376 الصادر بتاريخ 17 يوليوز 2002 بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي ,
Ø    المذكرة الوزارية رقم 73 بتاريخ 12 ابريل 1994  حول مشروع المؤسسة
Ø    المذكرة الوزارية عدد 867/14 بتاريخ 17اكتوبر2014 حول منع العقوبات

Ø    المذكرة الوزارية رقم 87 المؤرخة في 10 يوليوز 2003 والتي حددت مجموعة من التدابير العملية قصد تفعيل أدوار الحياة المدرسية
Ø    المذكرة الوزارية 864--14 الصادرة بتاريخ17-09-2014
Ø    الميثاق الوطني للتربية والتكوين المادة 144 حول اللامركزية واللاتمركز
Ø    المجلس الأعلى للتربية والتكوين
Ø     تقرير الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية و التكوين 2008 2014- 2016
Ø     المذكرة الوزارية 159 حول أجرأة العمل بمشروع المؤسسة
Ø    الرؤية الإستراتيجية 2015 - 2030
                                                         سيدي بوقنادل في 26 فبراير 2017  



                                                                                        

                                                                                                 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

الادارة التربوية و اشكالاتها التواصلية

تحليل وضعية مهنية